فيلم Under the Silver Lake

 

تحليل عميق لفيلم Under the Silver Lake: متاهة السوريالية في قلب هوليوود


يُعدّ فيلم "Under the Silver Lake" عملاً سينمائياً فريداً ومثيراً للجدل للمخرج ديفيد روبرت ميتشل، الذي حقق شهرة واسعة بفيلمه السابق "It Follows". بينما كان "It Follows" فيلماً رعباً مباشراً ومبتكراً، استغل ميتشل نجاحه لتقديم مشروع أكثر طموحاً وغموضاً، يتجاوز حدود السرد التقليدي. يصنّف الفيلم بكونه مزيجاً معقداً من "النيو-نوار السوريالي، والكوميديا السوداء، والتشويق" ، وهو ليس مجرد قصة بوليسية عادية، بل هو رحلة فلسفية معقدة تُقدم نقداً ثقافياً عميقاً للمجتمع المعاصر في لوس أنجلوس، وتُثير تساؤلات حول المعنى والواقع في عصرنا. إن طموح ميتشل في هذا العمل قد جعله فيلماً انقسامياً للغاية بين النقاد والجمهور، حيث لا يوجد حل وسط: إما أن يُحبّه المشاهد بشغف أو يُبغضه تماماً. هذا الانقسام بحد ذاته هو دليل على جرأة الفيلم ورفضه السير على خطى السرد المألوف.

بطاقة العمل: بيانات أساسية للفيلم

فيما يلي أهم البيانات والمعلومات حول الفيلم التي تُشكّل بطاقة تعريفه الأساسية:

  • العنوان: Under the Silver Lake

  • سنة الإصدار: 2018

  • البلد / اللغة: الولايات المتحدة الأمريكية / الإنجليزية

  • الإخراج: ديفيد روبرت ميتشل (David Robert Mitchell)

  • السيناريو: ديفيد روبرت ميتشل (David Robert Mitchell)

  • البطولة: أندرو غارفيلد (Andrew Garfield) بدور سام، رايلي كيو (Riley Keough) بدور سارة، توفر غريس (Topher Grace)، كالي هيرنانديز (Callie Hernandez)

  • المدة: 139 دقيقة

  • التصنيف: نيو-نوار، سوريالي، كوميديا سوداء، تشويق، غموض

ملخص القصة: رحلة سام في عالم المؤامرات


تدور أحداث الفيلم في صيف عام 2011 بمدينة لوس أنجلوس، حيث نتبع شاباً يُدعى "سام" (أندرو غارفيلد)، وهو شخص في الثالثة والثلاثين من عمره، عاطل عن العمل ويفتقر إلى أي هدف في حياته. يعيش سام في حي "سيلفر ليك" المهووس بنظريات المؤامرة، ويقضي معظم وقته في التلصص على جيرانه من شرفة شقته. تبدأ القصة حين يلمح جارته الجديدة الجميلة "سارة" (رايلي كيو) في حوض السباحة، وسرعان ما تنشأ بينهما علاقة قصيرة.

في صباح اليوم التالي، يكتشف سام أن سارة وغرفتها قد اختفتا فجأة دون أي أثر، باستثناء رمز غامض مُتّسخ على حائط شقتها. يدفع هذا الاختفاء المفاجئ بسام إلى رحلة سريالية غريبة الأطوار عبر لوس أنجلوس، يتبع خلالها خيوطاً متفرقة تبدو وكأنها رموز وشيفرات لمؤامرة أوسع نطاقاً، تتضمن مشاهير، ومليارديرات، وأساطير حضرية، بل وحتى ثقافة البوب التي نعرفها.

لا تقتصر قصة الفيلم على كونها مجرد رحلة للبحث عن فتاة مفقودة، بل هي في جوهرها رحلة بحث عن معنى في حياة بائسة. فشخصية سام، العاطل عن العمل والذي يوشك على أن يُطرد من شقته، تجد في اختفاء سارة دافعاً للتحرك وإضفاء معنى على وجوده. يرى سام في نفسه "البطل" الذي يمكنه وحده فك هذه الألغاز المعقدة ، مما يحوّل رحلته الخارجية إلى رحلة داخلية لاكتشاف ذاته والتغلب على رتابة واقعه الممل.

النقاط الإيجابية: أبعاد فنية وفكرية

إخراج وتصوير يسحران العين

يعود الفضل في جماليات الفيلم إلى الإخراج والتصوير الفني البارع، الذي يُغرق المشاهد في أجواء سينما النوار الكلاسيكية، مع لمسات من الأسلوب المعاصر. يستخدم المخرج ديفيد روبرت ميتشل تقنيات بصرية محددة، مثل اللقطات القريبة المفاجئة (push-in shots) واللقطات البعيدة التي تتسلل ببطء، مما يُسهم في خلق جو من القلق والتوتر الذي يشعر به البطل. هذا الأسلوب لا يقتصر على كونه مجرد استعراض فني، بل هو جزء لا يتجزأ من السرد، حيث يُشرك المشاهد في حالة سام الذهنية المرتبكة، ويجعله يشعر بنفس التوهان والبارانويا. الفيلم يُحاكي أسلوب أفلام "هوليوود الجديدة" في سبعينيات القرن الماضي، ويُذكّر بأعمال المخرجين الكبار مثل ديفيد لينش وبول توماس أندرسون.

موسيقى تصويرية آسرة

تُعدّ الموسيقى التصويرية التي ألفها "ديزاستر بيس" (Disasterpeace) عنصراً أساسياً في الفيلم، ولا تقل أهمية عن الأداء التمثيلي أو الإخراج. إنها ليست مجرد خلفية موسيقية، بل هي عنصر مهيمن وحيوي في كل مشهد، وتعمل كلغة خفية تنقل التوتر والشك قبل أن يُنطق أي حوار. بفضل وجودها القوي، تُضفي الموسيقى شعوراً بأن كل شيء في الفيلم مترابط ومُنسّق، حتى عندما يكون السرد مشتتاً ومتشعباً. تُذكّر هذه الموسيقى التصويرية بأسلوب الملحنين العباقرة مثل برنارد هيرمان (Bernard Herrmann) الذي اشتهر بتعاونه مع ألفريد هيتشكوك.

أداء تمثيلي استثنائي

قدّم أندرو غارفيلد أداءً يُعتبر من بين الأفضل في مسيرته. لقد جسّد شخصية سام بشكل متقن، معبراً عن كل تناقضاتها وعيوبها. فرغم أن سام شخص كسول، ومهووس، ولديه ميول للتلصص، إلا أن أداء غارفيلد يجعله مقبولاً ومثيراً للاهتمام. إن قدرة غارفيلد على نقل حالة من الهوس والضياع بشكل مقنع هي ما يُبقي المشاهد منخرطاً في أحداث الفيلم رغم غرابتها.

طرح فلسفي فريد

يُقدّم الفيلم نقداً فلسفياً عميقاً لثقافة المشاهير في لوس أنجلوس، وخواء جيل الألفية الذي يبحث عن المعنى في رموز ثقافية سطحية. يكمن جوهر الفيلم في فكرة أن نظريات المؤامرة قد تكون حقيقية، لكنها في النهاية بلا قيمة. فسام، الذي ينجح في فك شيفرة المؤامرة السرية، لا يُكافأ بشيء، ولا تتغير حياته البائسة. هذا الطرح يوجه نقداً لاذعاً لفكرة أن حل الألغاز المعقدة يمكن أن يحل مشاكل الحياة الحقيقية، مُظهراً أن هوس سام بالمؤامرات كان مجرد وسيلة لإلهاء نفسه عن عدم وجود هدف حقيقي أو طموح في حياته.

النقاط السلبية: تحديات تواجه المشاهد

الرتم البطيء والمدة الطويلة

يُعدّ أحد أكثر الانتقادات شيوعاً هو الرتم البطيء للفيلم ومدة عرضه الطويلة التي تصل إلى 139 دقيقة. قد يشعر بعض المشاهدين بالإحباط بسبب عدم وجود تطور سريع للأحداث. ومع ذلك، يمكن تفسير هذا الرتم على أنه جزء مقصود من التجربة السينمائية، حيث يحاكي رتابة الحياة اليومية لسام وافتقاره إلى الدافع، مما يُغرق المشاهد في عالمه الممل والمهووس.

النهاية المفتوحة والأسئلة المعلقة

يشعر العديد من المشاهدين بالاستياء من النهاية المفتوحة للفيلم وعدم تقديمه إجابات مباشرة لكل الألغاز التي طرحها. ولكن هذا التحدي هو في الواقع جزء من رسالة الفيلم، حيث يرفض ميتشل إعطاء إجابات سهلة للمشاهد، مُعتقداً أن "الناس يتوقون إلى الغموض لأنه لم يعد هناك أي غموض". تتماشى النهاية مع فكرة الفيلم: أن الحياة لا تُقدم إجابات مباشرة، وبعض الألغاز مصممة لتبقى كذلك.

عناصر غير مترابطة وتكرار

يُشير بعض النقاد إلى أن حبكة الفيلم تبدو "مبعثرة" وتحتوي على "خيوط قصة غير مكتملة" و"إشارات زائفة". ولكن، هذا "التشتت" المزعوم هو في الحقيقة محاكاة لطريقة تفكير شخصية سام. الفيلم يتبع منطق شخصية تعتقد أن كل شيء في العالم مترابط، حتى لو لم يكن كذلك في الواقع. وبالتالي، فإن ما يُعتبر نقطة ضعف في السرد التقليدي، هو في هذا الفيلم انعكاس دقيق للحالة النفسية لشخصية محورية.

رأيي الشخصي: فيلم ليس للجميع ولكنه تحفة فنية

يُمكن القول إن "Under the Silver Lake" هو عمل فني يتجاوز مفهوم الفيلم التقليدي، ولهذا السبب لم يحظَ بالقبول الواسع. إنه ليس مصمماً لإرضاء الجماهير، بل لتقديم تجربة سينمائية فريدة ومثيرة للتفكير لمن يبحثون عنها. ينجح الفيلم في خلق جو من الغموض والغرابة يُجبر المشاهد على التفكير فيه طويلاً بعد انتهائه، مما يجعله يستحق المشاهدة عدة مرات. إنه تحفة فنية مُحكمة الصنع، وإن كانت غير مألوفة، وتستحق التقدير على جرأتها وطموحها.

تحليل رمزي وفلسفي: فك شيفرة الأساطير الحديثة

يتجاوز الفيلم قصته السطحية ليغوص في بحر من الرموز والشيفرات التي تُمثل نقداً عميقاً للواقع المعاصر.

  • رموز الفيلم:

    • "قاتل الكلاب" (The Dog Killer): لا يُعدّ هذا اللغز مجرد حبكة بوليسية، بل هو رمز واسع النطاق يُشير إلى كراهية النساء، والعنف، وسوء معاملة المرأة في هوليوود، حيث يربط الفيلم بين النساء والكلاب بشكل رمزي.

    • "الملك المتشرد" (The Homeless King): هذا الشخص ليس عابراً، بل هو تجسيد رمزي للخوف من انعدام الأمان السكني والطرد، وهو أحد المشاكل الحقيقية التي يُعاني منها سام.

    • رموز "الهوبو" (Hobo Code): تظهر هذه الرموز في الفيلم لتُشكّل رسائل خفية. على سبيل المثال، الرمز المكوّن من ماساتين يُشير إلى "ابق صامتاً" (stay quiet)، وهو تحذير يتكرر في النهاية.

  • فك الشيفرات:

    • يحتوي الفيلم على شيفرات حقيقية يمكن للجمهور فكها، مما يحوّل تجربة المشاهدة إلى لغز تفاعلي.

    • شيفرة الألعاب النارية (Morse Code): تقول الشيفرة "أنا أصعد الآن" (I Ascend Now)، وهي رسالة تُخبر سارة بضرورة مغادرتها.

    • رموز القميص (Animal Logos): تهجّي الرموز الموجودة على قميص عبارة "احذر قاتل الكلاب" (Beware Dog Killer).

    • شيفرة "كوبيالي" (Copiale Cipher): تظهر هذه الشيفرة على الجدران وتُترجم إلى "قائمة القهوة" (Coffee Menu).

    • شيفرة "ما هي الكلمات الثلاث" (What Three Words): تُستخدم هذه الشيفرة لتحديد موقع سري في المدينة.

إن وجود هذه الشيفرات لا يخدم القصة فحسب، بل هو جزء من رسالة الفيلم. إنها تحوّل الفيلم إلى صندوق ألغاز، وتُحاكي هوس جيل كامل بالبحث عن "البيض المخبأ" (Easter eggs) في الأفلام وألعاب الفيديو، مما يُظهر أن هذا البحث عن "المعنى الخفي" قد يكون مجرد إلهاء عن المشاكل الحقيقية للحياة.

التقييم النهائي ودعوة للتفاعل

تقييم CinemaLogos: 4.5 / 5

يُعتبر فيلم "Under the Silver Lake" عملاً سينمائياً استثنائياً لا يخشى التحدي والغرابة. يستحق هذا التقييم العالي لأدائه التمثيلي القوي، وإخراجه البصري المبتكر، وموسيقاه التصويرية الآسرة، والأهم من ذلك، لطرحه الفلسفي الفريد الذي يُبقي المشاهد في حالة تفكير عميق.

يستحق المشاهدة؟

بالتأكيد! هذا الفيلم ليس لمشاهدة عابرة، بل هو تحفة فنية لمحبي أفلام الغموض الفلسفية التي تتحدى التوقعات، وعشاق أعمال ديفيد لينش (David Lynch) وبول توماس أندرسون (Paul Thomas Anderson).

دعوة للتفاعل

📌 وش رايكم في الفيلم؟ 📌 عطوني تقييماتكم في التعليقات. 📌 وش تحبوا نراجع المرة الجاية؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال